السبت 20 محرم 1446
تعريف القواعد الفقهية ونشأتها
الثلاثاء 31 يناير 2023 2:00 مساءاً
980 مشاهدة
مشاركة

تعريف القاعدة الفقهية

هي حكم أغلبي، ينطبق على معظم جزئياته، لتعرف أحكامها منها.

فقولهم (أغلبي) قيد لإخراج القاعدة الأصولية، فإن القاعدة الأصولية حكم كلي، وهذا من الفروق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية، فالقواعد الأصولية قواعد كلية، وأما القواعد الفقهية فهي أغلبية.

وقولهم: (حكم أغلبي) أي أن هناك مسائل مستثناة تخالف أحكامها حكم القاعدة، وهذا الاستثناء لا ينقض كلية تلك القواعد، ولا يقدح في عمومها.


نشأة القواعد الفقهية

ظهرت في عصر الرسالة -أول عصر التشريع- البذرة الأولى للقواعد الفقهية، فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت بعض أحاديثه الشريفة بمثابة القواعد العامة التي يندرج تحتها فروع فقهية كثيرة، وهي بجانب كونها مصدرا خصبا للتشريع واستنباط الأحكام، تمثل القواعد الكلية الفقهية.

مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الخراج بالضمان) [حم 23704، 25468، ت 1285، ن 4490، د 3508، جه 2243]

(لا ضرر ولا ضرار) [حم 2862 من حديث ابن عباس، جه 2340 من حديث عبادة بن الصامت، أما رواية ابن ماجة ففيها انقطاع، كما قال الحافظ ابن حجر، الدراية 2/282، وقال ابن كثير: "في إسناده انقطاع، ولكن روي من حديث ابن عباس وأبي سعيد وهو حديث مشهور"، إرشاد الفقيه 2/55، وأما رواية المسند فقط ضعفها ابن عبد الهادي وابن حجر، وأحمد شاكر، وحسن الحديث بمجموع طرقه الألباني]

(البينة على المدعي واليمين على من أنكر) [ت 1341 بلفظ: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، وقال الترمذي: "في إسناده مقال"، وضعفه ابن حجر في التخليص الحبير 4/382، ورواه البيهقي بلفظ: واليمين على من أنكر، وحسنه النووي، وصححه ابن الملقن، وقال العيني: "هذه الزيادة ليست في الصحيحين وإسنادها حسن"]

وهو في الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا: (لو يُعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه) [خ 4552، م 1711]

وقد وردت بعض العبارات التي تجري مجرى القواعد والأصول التشريعية عن بعض الصحابة والتابعين وأئمة الاجتهاد، كما نقل عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قوله: "مقاطع الحقوق عند الشروط"

وورد عن القاضي شريح قوله: "من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه"

ولا يعرف لكل قاعدة صانع معين، إلا ما كان منها نص حديث نبوي.

وكانت تسمى هذه القواعد أصولا، فكثيرا ما نرى شراح المذهب الحنفي، يقولون: من أصول أبي حنيفة، أو الأصل عند أبي حنيفة كذا، وكذا، وهو ما جاء واضحا في كتاب (تأسيس النظر) للدبوسي الحنفي؛ حيث يقول: "الأصل عند أبي حنيفة: أن الشيء إذا غلب عليه وجوده يجعل كالموجود حقيقة".

وأقدم محاولة في تدوين القواعد، ما قام به أبو طاهر الدباس -إمام الحنفية- وهو ممن عاش في القرنين الثالث، والرابع للهجرة؛ حيث جمع أهم قواعد مذهب أبي حنيفة في سبع عشرة قاعدة كلية، وكان أبو طاهر ضريرا، يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد خروج الناس منه، فكانت هذه القواعد حافزا للإمام الْكَرْخِيُّ أن يأخذها، وأن يضيف إليها غيرها إلى أن أوصلها إلى تسع وثلاثين قاعدة.

ثم جاء أبو زيد عبد الله بن عمر الدبوسي الحنفي، فدون كتابه (تأسيس النظر)، وضمنه طائفة مهمة من القواعد الفقهية العامة والخاصة، مع التفريع على كل منها بفوائد جمة، واستطرادات كثيرة مع مجموعة من الضوابط الخاصة، والأفكار التوجيهية لرجال المذهب في بيان طرق الاستنباط، فكان كتابه (تأسيس النظر)، بداية حركة لتقعيد هذه القواعد، وتدوينها في أواخر القرن الثالث الهجري.

ثم جاء ابن نجيم، المتوفى سنة (970) هـ فألف (الأشباه والنظائر)، جمع فيه خمسا وعشرين قاعدة، وصنفها على نوعين:

النوع الأول: قواعد أساسية، كالأركان في المذاهب الفقهية.

النوع الثاني: تسع عشرة قاعدة فرعية أخرى، وأحكاما كثيرة.

ثم جاء العز بن عبد السلام، فألف كتابه في (قواعد الأحكام في مصالح الأنام)، ثم تتابعت هذه السلسلة من المؤلفات في المذاهب الفقهية المشهورة.


ويعتبر القرن الثامن الهجري، عصرا ذهبيا لتدوين القواعد الفقهية، وسمو التأليف فيها، وتفوقت فيه عناية الشافعية؛ لإبراز هذا الفن العظيم.